ما نراه في السماء ليست النجوم إنما مواقعها
نظرا للأبعاد الشاسعة التي تفصل نجوم السماء عنا, فإننا لا يمكن لنا رؤية النجوم من على سطح الأرض أبدا, ولا بأية وسيلة مادية, وكل الذي نراه من نجوم السماء هو مواقعها التي مرت بها ثم غادرتها.
فالشمس وهي أقرب نجوم السماء إلينا تبعد عنا بمسافة مائة وخمسين مليون كيلومتر, فإذا أنبثق منها الضوء بسرعته المقدرة بحوالي الثلاثمائة ألف كيلومتر في الثانية من موقع معين مرت به الشمس فإن ضوءها يصل إلى الأرض بعد ثماني دقائق وثلث دقيقة تقريبا, بينما تجري الشمس بسرعة تقدر بحوالي19 كيلومترا في الثانية في اتجاه نجم النسر الواقع Vega فتكون الشمس قد تحركت لمسافة لا تقل عن عشرة آلاف كيلومتر عن الموقع الذي انبثق منه الضوء, و بالتالي إن ما نراه هو ليس الشمس بل موقعها منذ ثمان دقائق و عشرين ثانية.
وأقرب النجوم إلينا بعد الشمس وهو المعروف باسم الأقرب القنطوري يصل إلينا ضوؤه بعد4,3 سنة من انطلاقه من النجم, أي بعد أكثر من خمسين شهرا يكون النجم قد تحرك خلالها ملايين عديدة من الكيلومترات, بعيدا عن الموقع الذي صدر منه الضوء, وهكذا فنحن من على سطح الأرص لا نرى النجوم أبدا, ولكننا نرى صورا قديمة للنجوم انطلقت من مواقع مرت بها, وأبعد نجوم مجرتنا عنا يصلنا ضوؤه بعد ثمانين ألف سنة من لحظة انبثاقه من النجم, بينما يصلنا ضوء بعض النجوم البعيدة عنا بعد بلايين السنين, وهذه المسافات الشاسعة مستمرة في الزيادة مع الزمن نظرا لاستمرار تباعد المجرات عن بعضها البعض في ضوء ظاهرة اتساع الكون, ومن النجوم التي تتلألأ أضواؤها في سماء ليل الأرض ما قد انفجر وتلاشي أو طمس واختفى منذ ملايين السنين (أي أننا نرى نجم لم يعد موجودا), لأن آخر شعاع انبثق منها قبل انفجارها أو طمسها لم يصل إلينا بعد, والضوء القادم منها اليوم يعبر عن ماض قد يقدر بملايين السنين.
ثانيا: ثبت علميا أن الضوء مثل المادة ينحني أثناء مروره في مجال تجاذبي مثل الكون, وعليه فإن موجات الضوء تتحرك في صفحة السماء الدنيا في خطوط منحنية يصفها القرآن الكريم بالمعارج( ومن هنا كان وصف رحلة المصطفى صلى الله عليه وسلم في السماوات العلا بالمعراج). وحينما ينعطف الضوء الصادر من النجم في مساره إلى الأرض فإن الناظر من الأرض يرى موقعا للنجم على استقامة بصره, وهو موقع يغاير موقعه الذي صدر منه الضوء, مما يؤكد مرة أخرى أن الإنسان من فوق سطح الأرض لا يمكنه أن يرى النجوم أبدا و إنما يرى مواقعها.
و بهذا يقول الحق في كتابه العزيز: (فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ، وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ، إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ) (الواقعة)
وهنا يتبادر إلي الذهن السؤال المهم: من الذي علم سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم كل هذه المعارف العلمية الدقيقة لو لم يكن القرآن الذي أوحى إليه هو كلام الله الخالق..!!؟ ولماذا أشار القرآن الكريم إلى مثل هذه القضايا الغيبية التي لم يكن لأحد علم بها في زمان الوحي ولا لقرون متطاولة من بعد ذلك؟ لولا أن الله تعالى يعلم بعلمه المحيط أن الناس سوف يأتي عليهم زمان يدركون فيه تلك الحقيقة الكونية, ثم يرجعون إلى كتاب الله الخاتم فيقرأون فيه هذا القسم القرآني العظيم: فلا أقسم بمواقع النجوم* وإنه لقسم لو تعلمون عظيم* الواقعة:75 ـ76
بالملخص: هذا القسم القرآني العظيم بمواقع النجوم يشير إلي سبق القرآن الكريم بالإشارة إلى إحدى حقائق الكون المبهرة, والتي تقول أنه نظرا للأبعاد الشاسعة التي تفصل نجوم السماء عن أرضنا, فإن الإنسان على هذه الأرض لا يري النجوم أبدا, ولكنه يرى مواقع مرت بها النجوم ثم غادرتها, وعلى ذلك فهذه المواقع كلها نسبية, وليست مطلقة, ليس هذا فقط بل إن الدراسات الفلكية الحديثة قد أثبتت أن نجوما قديمة قد خبت أو تلاشت منذ أزمنة بعيدة, والضوء الذي انبثق منها في عدد من المواقع التي مرت بها لايزال يتلألأ في ظلمة السماء في كل ليلة من ليالي الأرض إلى اليوم الراهن (أي أننا نرى نجم لم يعد موجودا), كما أنه نظرا لانحناء الضوء في صفحة الكون فإن النجوم تبدو لنا في مواقع ظاهرية غير مواقعها الحقيقية.
مقتبس من مقالة للدكتور زغلول النجار.