عضو أساسي
تاريخ التسجيل: May 2013
الدولة: سوريا
المشاركات: 2,757
شكراً: 20,745
تم شكره 20,602 مرة في 2,748 مشاركة

تعاميم وزير العدل وسيلة رديئة لتكريس الهيمنة على القضاء المحامي الاستاذ عارف الشعّال
غالباً ما يتجاهل وزير العدل صفته كأحد أشخاص السلطة التنفيذية الذين لا يجوز لهم التدخل بأعمال و شؤون السلطة القضائية ، حتى لا تفقد استقلالها النظري المفروض ، فيقوم بمخاطبة القضاة بشكل رسمي عبر تعاميم تحمل في طياتها أوامر و نواهي و تعليمات و تهديدات مبطنة من خلال التلاعب بالألفاظ و الدوران حول الكلمات ، كما حصل في التعميم الجريء الصادر عنه برقم /25/ تاريخ 11 حزيران 2013 .
فقد ورد بهذا التعميم أن حاكم مصرف سوريا المركزي أرسل كتاباً لوزير العدل يعلمه فيه أن الضابطة العدلية لدى المصرف تقوم بملاحقة المتعاملين بسوق الصرافة السوداء ، و أنهم حينما يقومون بضبط المتلاعبون بهذه السوق و تقديمهم للقضاء و ( لأسباب مجهولة يتم إخلاء سبيلهم فوراً ) و أن إخلاء السبيل مسألة ليست وجوبية حسب القانون 29/2012 .
و أشار الوزير في التعميم أن هذه الظاهرة تشكل أثراً سلبياً على فكرة الردع العام للمذنبين !!! . و يجب مراعاة الدقة و الحرص في تطبيق أحكام النصوص الجزائية !!! .
و ذكّر الوزير القضاة المختصين بأنه يتعين عليهم التقيد الشديد بتطبيق أحكام القانون بمواجهة المتلاعبين و المضاربين بسوق العملة ، و اتخاذ الإجراءات القانونية الرادعة بحقهم بالنظر للظروف الاستثنائية التي يمر بها القطر .
و أهابَ الوزير بالسادة القضاة الناظرين بهذه الدعاوى ضرورة التوسع و التعمق بالتحقيق مع المدعى عليهم ، و تطبيق المعايير القانونية السليمة و الشاملة لاستخلاص النتائج الصحيحة المتوافقة مع أحكام القانون تمهيداً لمحاكمتهم على أسس قضائية بناءة و مفيدة !!!! .
و رغبَ الوزير من السادة القضاة الالتزام بالتدقيق المعمق حين بحث طلبات إخلاء سبيلهم و إعمال النصوص القانونية بدقة في هذا الشأن !!!! .
و أَملَ الوزير مراعاة هذا المنظور القانوني و العمل بمقتضاه عند كل موجب .
و أمرَ الوزير كلاً من إدارة التفتيش القضائي و المحامين العامين مراقبة حسن تطبيق ذلك و إعلامه عن أي مخالفة لمضمونه .
----------------------------
هذه إحدى أبشع مظاهر تدخل السلطة التنفيذية بالقضاء و التسلط عليه ، فبدلاً من أن يرد وزير العدل على كتاب حاكم المصرف المركزي ذاكراً له المبدأ الدستوري الذي ينص على قرينة البراءة الملازمة لكل شخص حتى يدان بقرار قضائي مبرم ، و منبهاً إياه أنه يتدخل بشؤون سلطة أخرى لا علاقة له بها ، و أن القضاة مستقلون في عملهم لا رقابة عليهم إلا لشرفهم و ضميرهم ، و ينهاه عن العودة لذلك ثانية ، يتبنى موقفه و يطلب من القضاة عدم إخلاء سبيل أحد من المدعى عليهم في جرائم مزاولة مهنة الصرافة بدون ترخيص .
فضلاً عن قرينة البراءة التي تحكم المركز القانوني للمدعى عليهم حتى يتم إدانتهم بحكم مبرم ، من المسلم به أن التوقيف الاحتياطي تركه القانون لتقدير القاضي الشخصي وفق ضوابط منصوص عليها بالفقه ، و لا يخضع لتقدير حاكم المصرف المركزي أو وزير العدل .
كما أن فكرة الردع العام للمذنبين التي تطرق إليها وزير العدل ليست هي الغاية الوحيدة من علم العقاب الذي يراعي أيضاً فكرة إصلاح المذنب و تقويمه حسب نظرية الدفاع الاجتماعي التي وضعها الفقيه الإيطالي " فيليبو غراماتيكا " و منها أخذت فكرة السجون المفتوحة و نصف المفتوحة ، ناهيك عن أن فكرة الردع العام يأخذ بها قاضي الحكم حين إصداره الحكم بعد انتهاء إجراءات المحاكمة ، و ليس في بداية الدعوى ، قبل الشروع في إجراءات المحاكمة .
في الواقع إن اعتبار التوقيف الاحتياطي يندرج تحت فكرة الردع العام كما ورد في تعميم وزير العدل ليس له مؤيد في القانون و يتنافى مع مبدأ قرينة البراءة الدستوري كما أسلفنا ، و يؤسس لاتجاه خطير على الحريات يعتبر التوقيف الاحتياطي سلفة على حساب العقوبة المستقبلية التي ستفرض على المدعى عليه ، و هذا ما ليس له مؤيد في القانون أو الاجتهاد أو الفقه .
كما أن الطلب من القضاة ضرورة (( التوسع و التعمق بالتحقيق مع المدعى عليهم ، و تطبيق المعايير القانونية السليمة و الشاملة لاستخلاص النتائج الصحيحة المتوافقة مع أحكام القانون تمهيداً لمحاكمتهم على أسس قضائية بناءة و مفيدة )) ، يتضمن طعناً بالقضاة الناظرين بهذه الدعاوى و اتهاماً لهم بأنهم يتعاملون معها بسطحية و خفة ، ناهيك عن أنه لا وجود لمحاكمات تقام على أسس بناءة و مفيدة كما ذكر الوزير ، لأن المحاكمات تقام على توفير كافة ضمانات تحقيق العدالة للمدعى عليهم قبل إدانتهم أو تبرئتهم ، تكفلها قوانين الأصول الجزائية و شرف القضاة و ضميرهم .
لذلك : فإن أهم أولويات استقلال القضاء كف يد وزير العدل عن التدخل بشؤونه عبر تعديل تشكيل مجلس القضاء الأعلى و إقصائه عن رئاسته أو عضويته ، و إعادة النظر بكافة صلاحياته الواردة في قانون السلطة القضائية .
---
المحامي الاستاذ عارف الشعّال منقول للفائدة من منتدى محاميّ سورية
__________________
أبو عمر