عضو أساسي
تاريخ التسجيل: Jan 2011
المشاركات: 4,237
شكراً: 6,342
تم شكره 10,276 مرة في 3,461 مشاركة

رد: تخفيض قيمة العملة.... العلاج الذي يقتل
كيف انتهت تجربة انهيار سعرصرف العملة (والتضخم الكبير) التي ميّزت حقبة 1984- *1992, في لبنان
اظهرت تجربة أميركا اللاتينية خلال الثمانينات, ارتباط حالات التضخم الكبير او المنفلت او المفرط(hyperinflation) بإنهيار سعر صرف العملة. واظهرت خلال التسعينات, نجاح عدد من دولها في الخروج من التضخم, من خلال تثبيت سعر صرف العملة. ولقد عكست حقبة التسعينات في لبنان تجربة خروج من التضخّم, من خلال تثبيت سعر صرف العملة. ويمكن بالتالي عرض هاتين التجربتين, والمقارنة بينهما, خصوصاً لجهة ما ترتب عليهما من نتائج.
2-*1. تجربة أميركا اللاتينية في ميدان خفض التضخم(désinflation) بواسطة سعر الصرف
ولقد زادت الأسعار خلال عقد الثمانينات, بنسبة 150 ضعفًا في المكسيك, و100 ألف ضعف في البيرو, و400 ألف ضعف في البرازيل, و3 ملايين ضعف في الأرجنتين, الخ(50).
المقاربات الأرثوذكسية وغير الأرثوذكسية في معالجة التضخم
وجرّبت دول أميركا اللاتينية, على إمتداد سنوات الثمانينات, مقاربات أرثوذكسية وغير أرثوذكسية الطابع, للحدّ من التضخم لديها. ويمكن التذكير هنا, أن العلاقة السببية التي تتأسس عليها سياسات مكافحة التضخم الأرثوذكسية الطابع, هي: عجز الموازنة (ارتفاع حجم الكتلة النقدية) التضخم. وتبعًا لهذه المقاربة, فإن معدل التضخم يساوي معدل نمو الكتلة النقدية. الأمر الذي يعني ان مواجهة التضخّم تتطلّب اعتماد سياسات مالية ونقدية تقشفية وانكماشية الطابع. وإزاء فشل هذه السياسات في تحقيق الغاية المرجوّة منها, وأخذاً بالاعتبار لكلفتها الاجتماعية المرتفعة, حاولت بعض دول أميركا اللاتينية اعتماد مقاربة أخرى, غير أرثوذكسية الطابع لمواجهة التضخم. وقد مثّل الاقتصاديون المنتسبون لهذه المقاربة تياراً, كان له تاريخياً موقفاً مشكّكاً من فوائد التعويل بالكامل على قوى السوق, لاستعادة التوازن الاقتصادي وتحقيق النمو. وقد بلوروا مقاربة لمواجهة التضخم وللتصحيح الاقتصادي, تقوم على رفض اعتماد الانكماش الاقتصادي اساساً له. وعبرت خطتا(cruzado) في البرازيل, و(austral) في الأرجنتين عن هذه المقاربة. وانطوت هاتان الخطتان ايضاً على معالجة للتضخم, تقوم على تجميد(gel) الأجور والأسعار. وحاولتا بذلك كسر الحلقة المفرغة التي تربط بين تطور الأجور وتطور الأسعار. كما وانهما ارتكزتا على تحقيق التوافق بين الأفرقاء الاجتماعيين لانجاح عملية التجميد الشامل للأسعار.
وتجدر الاشارة هنا, الى انه يمكن الوقوع في الدول الصناعية على تجارب ناجحة لضبط التضخم من خلال تجميد الأجور والأسعار. وقد شكلت فرنسا, طوال خمسين عامًا (1936- *1986), نموذجًا ناجحًا لضبط التضخم, بواسطة سياسة المداخيل والأسعار, أي بإقامة رقابة دائمة على تطورهما, وتجميدهما من وقت لآخر لفترة محدّدة, وليس بواسطة ادوات السياسة النقدية التقليدية(51).
إلا أن المقاربات غير الأرثوذكسية لم تنجح إلا على المدى القصير في خفض مستوى التضخم في بلدان أميركا اللاتينية. وقد فشلت في نهاية الأمر, أولاً لعدم توفرها على حلول للضغط الخارجي الكبير, الذي مثّله استنزاف الدين الخارجي للمداخيل الوطنية بالعملات الصعبة وبغيرها. وثانيًا, لأنها طبقت في غياب ستراتيجية تنمية جديدة, تهدف لتطوير القدرة الإنتاجية الوطنية للبلدان التي أخذت بها. أي ان عملية تجميد الأسعار والمداخيل التي حصلت, لم تكن عنصراً من عناصر هذه الستراتيجية التنموية الجديدة, التي كان الأخذ بها يتطلّب إجراء تغيير في طبيعة الإدارة الحكومية, أي يتطلّب في نهاية المطاف تغيير طبيعة الدولة(52).
__________________
• للرجل العظيم قلبان : قلب يتألم و قلب يتأمل .