
رد: زكاة الأسهم و السندات
كيف تزكى أسهم الشركات المختلفة ؟
نجد هنا اتجاهين لمن كتب من العلماء المعاصرين عن زكاة الأسهم والسندات وقليل من كتب فيها.
الاتجاه الأول: فالاتجاه الأول ينظر إلى هذه الأسهم والسندات تبعًا لنوع الشركة التي أصدرتها: أهي صناعية أم تجارية أم مزيج منهما؟
فلا يعطى السهم حكمًا إلا بعد معرفة الشركة التي يمثل جزءًا من رأس مالها،وبناء عليه يحكم بتزكيته أو بعدمها ؛ يمثل هذا الاتجاه الشيخ عبد الرحمن عيسى في كتابه "المعاملات الحديثة وأحكامها" حيث يقول:
"قد لا يعرف كثير ممن يملكون أسهم الشركات حكم زكاة هذه الأسهم، وقد يعتقد بعضهم أنها لا تجب زكاتها، وهذا خطأ، وقد يعتقد البعض وجوب الزكاة في أسهم الشركات مطلقًا، وهذا خطأ أيضًا، وإنما الواجب النظر في هذه الأسهم تبعا لنوع الشركة التي أصدرتها.
"فإن كانت الشركة المساهمة شركة صناعية محضة أي بحيث لا تمارس عملا تجاريًا كشركات الصباغة، وشركات التبريد، وشركات الفنادق، وشركات الإعلانات، وشركات "الأوتوبيس" وشركات النقل البحري والبري، وشركات الترام، وشركات الطيران، فلا تجب الزكاة في أسهمها ؛ لأن قيمة هذه الأسهم موضوعة في الآلات والإدارات والمباني وما يلزم الأعمال التي تمارسها، ولكن ما ينتج ربحًا لهذه الأسهم يضم إلى أموال المساهمين ويزكى معها زكاة المال (أي ما بقي منه إلى الحول وبلغ مع المال الآخر نصابًا).
"وإن كانت الشركة المساهمة شركةً تجارية محصنة تشترى البضائع وتبيعها بدون إجراء عمليات تحويلية على هذه البضائع: كشركة بيع المصنوعات المصرية وشركة التجارة الخارجية وشركات الاستيراد أو كانت شركة صناعية تجارية، وهي الشركات التي تستخرج المواد الخام أو تشتريها، ثم تجرى عليها عمليات تحويلية، ثم تتجر فيها، مثل: شركات البترول وشركات الغزل والنسيج للقطن أو الحرير، وشركة الحديد والصلب، والشركات الكيماوية، فتجب الزكاة في أسهم هذه الشركات، فمدار وجوب الزكاة في أسهم الشركات: أن تكون الشركة تمارس عملاً تجاريًا، سواء معه صناعة أم لا، وتقدر الأسهم بقيمتها الحالية، مع خصم.
(الخصم: كلمة مولدة تستعمل في المحاسبة -وخاصة في مصر- بمعنى الحطيطة والاقتطاع، وفي بعض البلاد العربية يستعمل بدلا عنها كلمة "الحسم") قيمة المباني والآلات والأدوات المملوكة لهذه الشركات، فقد تمثل هذه الآلات والمباني ربع رأس المال أو أكثر أو أقل، فيخصم من قيمة السهم ما يقابل ذلك -أي الربع أو أكثر أو أقل- وتجب الزكاة في الباقى، ويمكن معرفة صافي قيمة المباني والآلات والأدوات بالرجوع إلى ميزانية الشركة وهي تنشر كل عام في الصحف" (المعاملات الحديثة ص 73 - 74).
هذا ما ذكره الشيخ عن زكاة الأسهم وهو مبني على الرأي المشهور: أن المصانع والعمائر الاستغلالية ورؤوس الأموال المغلة -غير التجارية- على وجه العموم كالفنادق والسيارات والترامات والطائرات ونحوها، ليس فيها كلها زكاة، لا في رأس المال والربح معا كمال التجارة، ولا في الغلة والإيراد، كالخارج من الأرض الزراعية (إلا إذا بقي منها شئ وحال عليه الحول) وعلى هذا الأساس فرق بين الشركات الصناعية (ويعني بها التي لا تمارس عملاً تجاريًّا) وبين غيرها من الشركات، فأعفى أسهم الأولى من الزكاة وأوجب في الأخرى، فإذا كان هناك شخصان يملك كل منهما ألف دينار، اشترى أحدهما بألفه مائتي سهم من شركة للاستيراد والتصدير مثلا، واشترى الثاني بمبلغه مائتي سهم في شركة لطباعة الكتب أو الصحف، فإن على الأول أن يخرج الزكاة عن أسهمه المائتين، وما جلبت إليه من ربح أيضًا في رأس كل حول مطروحًا من ذلك قيمة الأثاث ونحوه من الأصول الثابتة كما هو الشأن في مال التجارة، وأما الثاني فليس عليه زكاة عن أسهمه المائتين ؛ لأنها موضوعة في أجهزة وآلات ومبان ونحوها، ولا زكاة فيما يأتي من ربح، إلا إذا بقي إلى رأس الحول وبلغ نصابًا بنفسه أو بغيره، فإذا أنفقه قبل الحول فلا شيء عليه.
وبهذا يمكن أن تمضي أعوام على مثل هذا الشخص دون أن تجب عليه زكاة، لا في أسهمه ولا في أرباحها بخلاف الشخص الأول، فالزكاة واجبة عليه لزومًا في كل عام، عن أسهمه وعن أرباحها معًا، وهي نتيجة يأباها عدل الشريعة التي لا تفرق بين متماثلين.
وقد بينا في الفصل الثامن في حديثنا عن زكاة "المستغلات" من العمارات والمصانع ونحوها: أن فيها -خلاف الرأي التقليدي المشهور- آراء ثلاثة:
1 - الرأي الذي يعتبرها مالا كمال التجارة ويقول بتقويمها كل حول وإخراج ربع عُشرها.
2- الرأي الذي يقول بأخذ الزكاة من غلتها وربحها باعتبارها مالا مستفادًا فيزكي زكاة النقود.
3- الرأي الذي يقيسها على الأرض الزراعية، ويوجب فيها العشر أو نصفه من صافي الغلة والأرباح.
وقد رجحنا هناك هذا الرأي الأخير.
فالذي أراه هنا:
أن التفرقة بين الشركات الصناعية أو شبه الصناعية، وبين الشركات التجارية، أو شبه التجارية -بحيث تعفى الأولى من الزكاة، وتجب في الأخرى- تفرقة ليس لها أساس ثابت من كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس صحيح.
ولا وجه لأخذ الزكاة عن الأسهم إذا كانت في شركة تجارية، وإسقاطها عنها إذا كانت في شركة صناعية، والأسهم هنا وهناك رأس مال نام يدر ربحًا سنويًا متجددًا، وقد يكون ربح الثانية أعظم وأوفر من الأولى.
فإذا أردنا أن نأخذ بهذا الاتجاه وهو النظر إلى الأسهم تبعا لنوع الشركة التجارية التي يكون السهم جزءا من رأس مالها، فإني أختار هنا أن تعامل الشركات -أيا كان نوعها- معاملة الأفراد، إذا ملكوا ما تملكه الشركات من مصانع أو متاجر، فالشركات الصناعية أو شبه الصناعية، وأعني بها تلك التي تضع رأس مالها أو جله في أجهزة وآلات ومبان وأدوات، كالمطابع والمصانع، والفنادق، وسيارات النقل والأجرة ونحوها، هذه الشركات لا تؤخذ الزكاة من أسهمها بل من إيرادها وربحها الصافي بمقدار العشر كما رجحناه في زكاة المستغلات، وكما نعامل المصانع والفنادق ونحوها لو كانت ملكًا للأفراد على ما اخترناه من قبل.
أما الشركات التجارية وهي التي جل رأس مالها في منقولات تتاجر فيها ولا تبقى عينها، فهذه تؤخذ الزكاة بمقدار ربع العشر (2.5 في المائة ) بعد طرح قيمة الأصول الثابتة من الأسهم، كما ذكرنا في عروض التجارة: أن الزكاة في رأس المال المتداول المتحرك، وهذه المعاملة للشركات التجارية هي نفس المعاملة التي تعامل بها المحلات التجارية إذا كانت ملكًا للأفراد ولا فرق.
الاتجاه الثاني - اعتبار الأسهم عروض تجارة
وإلى جانب الاتجاه الذي ذكرناه نجد اتجاها آخر يخالف الاتجاه الأول إنه لا ينظر إلى الأسهم تبعا لنوع شركاتها، فيفرق بين أسهم في شركة وأسهم في أخرى، بل ينظر إليها كلها نظرة واحدة، ويعطيها حكما واحدا بغض النظر عن الشركة التي أصدرتها.
فيرى الأساتذة: أبو زهرة وعبد الرحمن حسن وخلاف: أن الأسهم والسندات أموال قد اتخذت للاتجار، فإن صاحبها يتجر فيها بالبيع والشراء، ويكسب منها كما يكسب كل تاجر من سلعته، وقيمتها الحقيقية التي تقدر في الأسواق تختلف في البيع والشراء عن قيمتها الاسمية، فهي بهذا الاعتبار من عروض التجارة، فكان من الحق أن تكون وعاء للزكاة ككل أموال التجارة ويلاحظ فيها ما يلاحظ في عروض التجارة" (حلقة الدراسات الاجتماعية - الدورة الثالثة - ص 242، ونلاحظ هنا أن الأساتذة عاملوا الأسهم والسندات معاملة واحدة ولم يفرقوا بينهما باعتبار السند دينا مؤجلاً - كما فعل مؤلف كتاب "المعاملات الحديثة" وهذه المعاملة الواحدة لهما في إيجاب الزكاة هي الاتجاه الصحيح، وقد ذكروا اعتراضًا أو شبهة لبعض الناس هنا وأجابوا عنها
قالوا: وقد يقول قائل إن السندات ديون وهي تنقل من دائن إلى دائن فهي بهذا بيع الدين لغير من عليه، وذلك غير جائز عند كثير من الفقهاء والكسب بهذا لا يخلو من خبث.
"ونحن نقول في الجواب عن ذلك: إن هذه السندات صارت سلعة فعلا، فلو أعفيناها من الزكاة لما يلابسها من محرم، لأقبل الناس على شرائها ولأدى ذلك إلى الإمعان في التعامل بها فيكون ذلك مشجعا على المحرم ولا يكون قطعا له ولأن صرف الكسب الخبيث في الصدقات أمر غير ممنوع بل إنه يصرف وإن لم يعرف صاحبه الذي أخذ منه بغير حقه، كما هي قاعدة الفقهاء عامة" أ.هـ).
ومعنى هذا: أن يؤخذ منها في آخر كل حول (2.5 في المائة) من قيمة الأسهم حسب تقديرها في الأسواق -مضافا إليها الربح- بشرط أن يبلغ الأصل والربح نصابًا، أو يكملا -مع مال عنده- نصابًا كما أنه يجب أن يعفى مقدار الحاجات الأصلية، وبتعبير آخر: الحد الأدنى للمعيشة، بالنظر لصاحب الأسهم الذي ليس له مورد رزق غيرها كأرملة أو يتيم لا معاش لهما، ويزكى باقي الربح مع رأس المال، ولعل هذا الاتجاه والإفتاء بمقتضاه أوفق بالنظر إلى الأفراد من الاتجاه الأول، فكل مساهم يعرف مقدار أسهمه، ويعرف كل عام أرباحها، فيستطيع أن يزكيها بسهولة ؛ بخلاف الاتجاه الأول وما فيه من تفرقة بين أسهم في شركة وأسهم في أخرى فبعضها تؤخذ الزكاة من إيرادها، وبعضها تؤخذ زكاته من الأسهم نفسها حسب قيمتها، مضافًا إليها الربح، وفي هذا شيء من التعقيد بالنظر إلى الفرد العادي، لهذا قلنا: إن الأولى الأخذ بالاتجاه الثاني للأفراد، فهو أيسر في الحساب، بخلاف ما إذا قامت دولة مسلمة وأرادت جمع الزكاة من الشركات فقد أرى الاتجاه الأول أولى وأرجح والله أعلم.
منقول من موقع الدكتور القرضاوي