عضو أساسي
تاريخ التسجيل: Jan 2011
المشاركات: 4,237
شكراً: 6,342
تم شكره 10,276 مرة في 3,461 مشاركة

رد: تخفيض قيمة العملة.... العلاج الذي يقتل
من له مصلحة في خفض سعر صرف الليرة؟
ان ما ينبغي التأكيد عليه, هو ان خفض سعر صرف الليرة اللبنانية, يمكن ان يأتي نتيجة سياسة حكومية متعمّدة, كما وانه يمكن ان يفرض فرضاً على الكل, اذا نشأت ازمة, ترتبت عليها موجة هروب من الليرة اللبنانية. وطالما بقيت الدولة قادرة على الاستمرار بتمويل خدمة الدين العام, فان ازمة الهروب من الليرة هذه لن تنشأ.
الدولة ذات مصلحة في خفض سعر صرف الليرة
والطرف الاول الذي له مصلحة في خفض سعر صرف الليرة هو الدولة. ويمكن ان تعمد هذه الاخيرة لاستخدام خفض سعر صرف الليرة, كوسيلة لخفض كلفة القطاع العام. أي ان اعتماد سعر صرف مرن حالياً, لن يفيد الا في التخفيف عن كاهل الدولة.
على عكس المصارف
ولا مصلحة للمصارف بخفض سعر صرف الليرة. فهو يجعل, في حال حصوله, الديون المترتبة لها بذمة الدولة تفقد قيمتها. ويشير المراقبون الى ان المصارف الكبرى في بيروت, اكتتبت في سندات الخزينة بنسبة 50 % الى 60 % من اجمالي ودائعها, حتى العام 2000. وهي نسبة اعلى بكثير من الـ 20 % لعام 1983 التي سبقت الاشارة اليها. كما وان معظم ارباح المصارف, تتأتى من الاكتتابات في سندات الخزينة. ويستخدم القطاع المصرفي ككل, 43 % من اجمالي ودائعه, لتمويل الدين العام الصافي(68).
تأثير محدود للضغوط الخارجية
أيضاً, سبقت الاشارة, الى ان قوة الضغوط الخارجية اختلفت بين حقبتي الثمانينات والتسعينات, ان في اميركا اللاتينية او في لبنان. وهي ادت لحصول الازمة في الحقبة الاولى, ولمنع حصولها في الحقبة الثانية.
وفي لبنان, كان حجم الدين العام, خلال العام 1984, اقل بكثير مما هو عليه الآن. لكن التزاحم للحصول على العملات الاجنبية اصطدم آنذاك, بندرة هذه العملات. وهي ندرة كان سببها في ذلك الحين, تراجع المداخيل البترولية وتراجع حجم التحويلات الى لبنان, وهروب الرساميل. أما حجم الدين العام حالياً, الذي يجعل من لبنان, اول دولة في العالم, من حيث نسبة الدين الى الناتج(69), فلم يرتب عليه انهياراً لسعر صرف العملة, كما في السابق. الامر الذي يؤكد ما يعرفه الخبراء في هذا الميدان, وهو ان ليس حجم الدين العام بالمطلق ما يطرح مشكلة, وانما ردات الفعل والممارسات التي يتسبب بها هذا الدين(70).
المحاذير السياسية للخفض
وللخفض ايضاً, محاذير سياسية كبيرة. إذ ان من شأنه افقاد النخبة السياسية مصداقيتها وشرعيتها السياسية. وما تزال تجربة حكومة الرئيس عمر كرامي ماثلة امام الكل, تشكل رادعاً لهم امام اعتماد هذا الخيار.
ولم يكن الامر على هذا النحو خلال الثمانينات. وقد جرت عمليات التخفيض المتتابعة لسعر صرف الليرة خلالها, دون ان يتجرّأ احد على وضع قواعد اللعبة القائمة موضع التساؤل. وقد اعتبرت حرية القطع من المقدسات التي لا يمكن المساس بها. وادى ذلك الى خفض مبالغ فيه لسعر صرف العملة اللبنانية, كما سبقت الاشارة. وقد امكن تحقيق ذلك, بفعل انقسام المجتمع اللبناني, وخضوعه لسلطة الميليشيات المختلفة. الامر الذي كان يجعله غير قادر على ابداء الاعتراض على ما كان يتعرّض له من تدمير لمقومات عيشه. بل ان تجربة الثمانينات تظهر ان سعر صرف العملة اضحى في مرحلة ما من مراحل الازمة, أداة في متناول السياسيين والمسؤولين, لا يترددون في محاولة الاستفادة منها, للضغط على مناوئيهم السياسيين, دون ان يعتريهم الخوف من تعريض انفسهم للمساءلة, او تكبيدهم ثمن ذلك على يد الجمهور اللبناني. وكان آخر هذه التجارب, دفع سعر الدولار الى مستوى 2875 ل.ل., خلال العام 1992, كما سبقت الاشارة لذلك. أيضاً, ان ما جعل الطبقة السياسية تنفق بلا حساب بعد الحرب, هو انه تم قبلاً الغاء جزء كبير من الدين العام بواسطة خفض سعر صرف العملة اللبنانية, وانه بالرغم من كل ما حمله ذلك الخفض من مآس للمجتمع اللبناني, فان احداً لم يحاسب على الذي حصل. وقد خرج اللبنانيون من تلك التجربة, كما خرجوا من تجربة الحرب ككل, من دون ان يفقهوا سبباً لما اصابهم, ومن دون ان يستخلصوا دروس التجربة.
وسيعبّر أي خفض لسعر صرف الليرة في حال حصوله, عن عجز المسؤولين الحكوميين عن توفير مداخيل اضافية للدولة, وعن تخليهم عن مسؤوليتهم على هذا الصعيد, وعن القائهم تبعات تزايد الدين العام على عاتق المجتمع كله. كما وانه سيكون دليلاً على ارادتهم تدفيع المجتمع اللبناني ثمناً باهظاً, لسوء ادارتهم الاقتصادية لحقبة ما بعد الحرب.
والامر الاكيد, انه لا يمكن, او لا ينبغي السماح بان تتكرر التجارب السابقة التي قامت على اخضاع المجتمع اللبناني لتخفيضات متتالية لسعر صرف عملته, لا يفقه لها سبباً.
لكن للابقاء على سعر الصرف الحالي كلفة
إلا ان هذا لا يعني اغفال كلفة الابقاء على الوضع القائم. وتنعكس حالياً ضرورة تأمين خدمة الدين العام, توقفاً شبه كامل للادارة عن تمويل الانفاق التنموي. حتى ان المشاريع التي يسهم البنك الدولي بتمويلها, والتي لا تموّل الدولة سوى جزء منها, يجري ايقافها. كما وان اجراءات خفض النفقات وزيادة الايرادات الضريبية التي تعدّها وزارة المالية, تمثّل هي الاخرى, احد مظاهر الكلفة التي يرتبها الابقاء على الوضع القائم.
تقابلها كلفة اكبر تترتب على خفض سعر صرف الليرة
إلا ان الخفض يرتب فوضى وخسارة للبنانيين اكبر من تلك التي تنشأ عن عدم خفضه. واول النتائج التي ستترتّب عليه, ارتفاع كبير في الاسعار, ينجم عنه انخفاض بالمقدار ذاته للقدرة الشرائية للمداخيل بالليرة اللبنانية. وسوف يستدرج هذا الامر, تحرّكات لا تحصى لتصحيح الاجور, ولاعادة القدرة الشرائية المفقودة لهذه الاخيرة. وسيمثّل الانهيار الذي يلحق بالقدرة الشرائية للاجور, الأثر الاهم بدون شك, الذي سيترتب على عملية خفض سعر صرف الليرة اللبنانية. وسيشكل انهيار هذه القدرة صدمة للعاملين بالاجر, يتشابه وقعها عليهم مع ما سبق لهم ان خبروه خلال حقبة النصف الثاني من عقد الثمانينات الماضي. وسيضعف هذا الانهيار حوافزهم للعمل في لبنان على نحو اضافي, ويعزّز دوافعهم للهجرة الجماعية الى الخارج. واذا اخذنا بالاعتبار, التردي الاضافي لانتاجية العاملين في الداخل على اختلاف فئاتهم, الذي سيرتبه هذا الخفض, وزيادة الهجرة الى الخارج التي ستنجم عنه, فانه يبدو كما لو كان أداة بامتياز لاعطاء قوة اضافية للعوامل التي تعمّق التخلّف في لبنان, وتنتزع من هذا البلد مقومات تطوير نفسه وتحقيق نموه الاقتصادي. وقد بات معلوماً, من جهة اخرى, ان خفض سعرصرف الليرة يرتب زيادة في الاعباء التي تتحملها الدولة على صعيد خدمة الدين العام(71).
__________________
• للرجل العظيم قلبان : قلب يتألم و قلب يتأمل .