لكي لا تكن الضحية... تعّلم قراءة القوائم المالية (3-3)
تحدثنا في الحلقتين السابقتين عن نوعين من الأنواع الأربعة للقوائم المالية التي يجب على المتعامل في سوق الأسهم الإلمام بها ومعرفة كيفية قراءتها، وهما قائمة الميزانية العمومية، وقائمة الدخل.
في هذه الحلقة سنتعرف على النوع الثالث من هذه القوائم وهي قوائم التدفقات.
قوائم التدفقات النقدية Cash Flow Statements لشركة ما تتضمن بيانات التدفق النقدي الداخل إليها والخارج منها. ويعتبر هذا البند على قدر كبير من الأهمية لأن الشركة بحاجة لتوفر قدرا كافيا من السيولة النقدية لتتمكن من تسديد مصاريفها وشراء ما يلزمها من أصول.
ففي الوقت الذي يمكننا من خلال قائمة الدخل التعرف عما إذا كانت شركة ما تحقق ربحا من عدمه، فإنه من خلال قائمة التدفقات النقدية يمكننا معرفة إن كانت تلك الشركة قد حققت دخلا نقديا.
وتظهر قائمة التدفقات النقدية التغيرات على مدى فترة زمنية معينة وليست المبالغ النقدية بذاتها كما هي بتاريخ إعداد القوائم المالية. وتستخدم هذه القوائم والمعلومات الواردة في الميزانية العمومية وقائمة الدخل بعد إعادة تنظيمها وفق النسق المحدد لهذه القوائم.
والسطر النهائي من بنود قائمة التدقفات النقدية يبين صافي الزيادة أو النقص في النقدية للفترة المعنية. وبشكل عام، تنقسم قوائم التدفقات النقدية إلى ثلاثة أجزاء رئيسية. وكل جزء منها يكرس لمراجعة التدفقات النقدية من خلال نوع واحد من بين ثلاثة أنواع من الأنشطة، هي: (1) أنشطة التشغيل، (2) أنشطة الاستثمار، (3) أنشطة التمويل.
الجزء الأول من قائمة التدفقات النقدية وهو أنشطة التشغيل يتضمن تحليلا للتدفقات النقدية للشركة المتمثلة بصافي الدخل أو صافي الخسارة. ومعظم الشركات تقوم في هذا الجزء بتسوية صافي الدخل (كما هو مبين في قائمة الدخل) مع النقدية التي حصلت عليها الشركة بالفعل أو التي استخدمتها في أنشطة التشغيل. وللقيام بذلك، فإنها تخصم من بند صافي الدخل أية بنود غير نقدية (مثل مصاريف الاستهلاك) وأية بنود نقدية استخدمت أو تحققت من أية أصول أو خصوم تشغيل أخرى.
والجزء الثاني من قائمة التدفقات النقدية يعرض التدفقات النقدية من جميع أنشطة الاستثمار، التي تشمل بوجه عام المشتريات أو المبيعات من الأصول طويلة الأجل، مثل الممتلكات والأجهزة والمعدات وكذلك أسهم وسندات الاستثمار. ففي حال قيام شركة ما بشراء آلة من الآلات، فإن هذه العملية تظهر في قائمة التدفقات النقدية على أنها تدفق نقدي خارج من رصيد أنشطة الاستثمار لأنه تم استخدام النقد في إتمام عملية شراء تلك الآلة. وإذا قررت الشركة بيع بعض استثماراتها من إحدى محافظ الاستثمار، فإن الإيرادات المتحققة من عملية البيع ستظهر على شكل تدفق نقدي داخل لرصيد أنشطة الاستثمار لأن هذه العملية قد تمخضت عن تحقيق عائد نقدي.
ويظهر الجزء الثالث التدفقات النقدية المتحققة من جميع أنشطة التمويل. وتتضمن المصادر المعتادة للتدفقات النقدية من هذا النوع المبالغ النقدية المتحققة من بيع الأسهم والسندات أوالاقتراض من البنوك. وبالمثل، فإن تسديد قرض سبق الحصول عليه من البنك يظهر كبند من بنود استخدام التدفقات النقدية.
وإليك عزيزي القارئ بعضاً من التطبيقات المهمة لمصطلحات يكثر تداولها لكنها لا تظهر بذاتها في القوائم المالية. وربما سمعتم بعض الناس يرددونها وهي على سبيل المثال "مضاعف (مكرر) الربحية P/E” أو "نسبة الأصول المتداولة إلى الخصوم المتداولة أو "هامش (أرباح) التشغيل".
فما الذي تعنيه هذه المصطلحات؟ ولماذا لا تظهر كبنود قائمة بذاتها في القوائم المالية؟ فيما يلي شرح لبعض هذه النسب التي يقوم المستثمرون باستخراجها من واقع البيانات الواردة في القوائم المالية ويطبقونها في تقييم شركة ما. وكقاعدة عامة، فإن النسب المرغوب فيها تتباين من قطاع لآخر.
و من بين النسب التي ينبغي على المستثمر التركيز عليها نسبة الدين في الشركة حيث يعتبر الدين وسيلة من وسائل الحصول على التمويل اللازم للتوسع. ولكن خدمة الدين قد تستنزف بشكل كبير موارد السيولة النقدية اللازمة للتشغيل. وبشكل عام، فإنه كلما قلَ اعتماد شركة ما على القروض لتمويل أصولها كلما كانت هذه الشركة أقل تعرضا للمخاطر. وعليه، يحبذ الاستثمار في شركات تكون قليلة الديون والأفضل ألا تكون عليها أية ديون طويلة الأجل. فهذا قد يكون مؤشرا على كون الشركة في وضع جيد من حيث السيولة النقدية.
ويجب النظر إلى الدين الذي يكون على عاتق شركة ما في ضوء معدل الدين الذي تتحمله الشركات المماثلة العاملة في القطاع نفسه. فعليك تجنب الاستثمار في شركة تكون ديونها أعلى بكثير من معدل الدين للقطاع الذي تعمل فيه. كذلك، فإن العائد على حقوق المساهمين يتحسن بشكل ملموس عندما تكون الشركة غير مثقلة بدفعات الفوائد المترتبة على الديون طويلة الأجل.
و يمكن قياس الدين لشركة ما عن طريق حساب نسبة الدين إلى حقوق المساهمين Debt-to-Equity Ratio يمكن من خلالها مقارنة دين الإجمالي للشركة بحقوق المساهمين في هذه الشركة. وهذان البندان متوافران في الميزانية العمومية لأية شركة. ولاحتساب نسبة الدين إلى حقوق المساهمين، نقوم بقسمة إجمالي مطلوبات (خصوم) الشركة على المبلغ الذي يمثل حقوق المساهمين، كما هو مبين في المعادلة التالية:
نسبة الدين إلى حقوق المساهمين تساوي إجمالي المطلوبات (الخصوم) مقسوما على حقوق المساهمين. فإذا كانت نسبة الدين إلى حقوق المساهمين في شركة ما تساوي 2 إلى 1، فهذا يعني أن في ذمة الشركة ريالين من الدين مقابل كل ريال قام المساهمون باستثماره في رأسمال هذه الشركة. بمعنى آخر، فإن هذه الشركة تتحمل من الديون ما يعادل ضعف المبلغ المستثمر من قبل الملاك في رأسمالها.
وبعد ذلك يجب إمعان النظر في أرباح الشركة وتحليلها حيث ينبغي أن تظهر المكاسب أو الأرباح التي تحققها الشركة على فترات ربع سنوية قدرا معقولا من النمو مقارنة بنفس الفترة الربع السنوية من العام السابق. ويجب النظر بعين فاحصة لمصادفة تحقيق مكاسب أو أرباح غير اعتيادية عند النظر في بند المكاسب (الأرباح). ويفضل التركيز على الشركات التي تحقق نموا في أرباحها بنسبة 20 في المائة فأكثر سنويا.
و ينبغي أثناء القيام بتحليل أرباح شركة ما مقارنة صافي الربح المتحقق بالإيرادات. وهذان البندان (صافي الربح والإيرادات) هما من بنود قائمة الدخل التي سبق الإشارة إليها في حلقة سابقة. ولاحتساب هامش الربح، نقوم بقسمة دخل الشركة على إيراداتها، حسب المعادلة التالية:
هامش الربح تساوي صافي الدخل مقسوما على الإيرادات
وبعد احتساب هامش الربح، يجب إلقاء نظرة خاطفة على هامش التشغيل operating margin الذي يعبر عنه في العادة بنسبة مئوية. حيث يمكن معرفة نسبة الربح العائدة على كل ريال من المبيعات.
و يتعين على كل مستثمر التأكد بأن هامش ربح الشركة التي يستثمر فيها في ارتفاع دائم. فقدرة الشركة على زيادة مبيعاتها من دون زيادة في مصاريفها هي الصفة المميزة للشركة المليئة ماليا. وفي الظروف المعتادة، فإنه كلما زاد هامش الربح، كلما كنا أكثر اطمئنانا على استثماراتنا. فمن الطبيعي أن نرى أن الشركة التي تعمل على أساس تحقيق هامش ربح بنسبة 5 في المائة ستتكبد خسارة في حال انخفاض مبيعاتها بنسبة 5 في المائة.
ويجب ألا نغفل هنا مضاعف الربحية P/E ratio لما لهذه النسبة من أهمية خاصة حيث يتم من خلالها مقارنة سعر السهم العادي من أسهم شركة ما بالأرباح أو المكاسب التي يحققها هذا السهم. ولاحتساب مضاعف الربحية، نقوم بقسمة سعر سهم الشركة على أرباح السهم، كما هو موضح أدناه:
نسبة سعر السهم للربح تساوي سعر السهم مقسوما على أرباح السهم.
فإذا كان سعر سهم شركة ما يباع في السوق بمبلغ 200 ريال وكانت الشركة تحقق أرباحا بواقع عشرة ريالات للسهم الواحد، فإن نسبة سعر السهم للربح ستكون 20 إلى 1. وهذا يعني أن سهم تلك الشركة يباع بمبلغ يعادل 20 ضعف ما يحققه من أرباح.
وينبغي التركيز على أسهم الشركات التي تكون فيها نسبة العائد على حقوق المساهمين ROEما لا يقل عن 20 في المائة. و يمكن التوصل إلى هذه النسبة بقسمة صافي الدخل على إجمالي حقوق المساهمين. فهذه المعادلة البسيطة تقيس مقدار الربح الذي تحققه شركة ما إلى المبلغ الذي استثمره المساهمون في الشركة. فتحقيق نسبة عالية من العائد على حقوق المساهمين مقرونا بتكبد أقل قدر ممكن من الديون أو عدم وجود أية ديون يعتبر من الدلائل التي تؤكد على نجاح الشركة من الناحية المالية. وعليه، ينبغي الحذر من الشركات التي تعمد لزيادة نسبة العائد على حقوق المساهمين من خلال زيادة ديونها، حيث إن هذا التصرف يعتبر بمثابة نذير خطر red flag، مما يحملنا على صرف النظر عن شراء أسهم مثل هذه الشركات.
وللتحقق من قدرة الشركة على توفير سيولة كافية للوفاء بالتزاماتها قصيرة الأجل ينبغي فحص نسبة الأصول المتداولة إلى الخصوم المتداولة current ratio. ويتم احتساب هذه النسبة بقسمة الأصول المتداولة على الخصوم المتداولة. وتظهر هذه النسبة مدى استعداد الشركة للتعامل مع المواقف الصعبة في الشدائد. (ينبغي التركيز على الشركات التي تكون فيها نسبة الأصول المتداولة إلى الخصوم المتداولة ما لا يقل عن 2 إلى 1، والأفضل أن تكون أعلى من ذلك.) كما يمكن أن ينظر إلى هذه النسبة كمقياس لرأس المال العامل - الذي يمثل الفرق بين الأصول المتداولة والخصوم المتداولة. وبمعنى آخر، فإن:
رأس المال العامل يساوي الأصول المتداولة مخصوم منها الخصوم المتداولة
فالشركة التي يتوافر لها قدر كبير من رأس المال العامل تكون في وضع أفضل للتوسع وتحسين مستوى عملياتها. وعلى العكس من ذلك، فإن الشركة التي يكون رأسمالها العامل سالبا لا تكون لديها الموارد الكافية للوفاء بالتزاماتها الراهنة، وبالتالي فإنها لا تكون في موقف يمكنها من استغلال فرص النمو المتاحة.
ومن الأهمية بمكان أن نشير هنا إلى أنه من الضروري قراءة الإيضاحات للقوائم المالية.التي غالباً ما تكون مليئة بالمعلومات التي يحتاج إليها المستثمر. فإذا كانت القوائم المالية بمثابة القلب، فإن إيضاحات القوائم المالية تعتبر بمثابة الشرايين التي تبقي جميع الأجزاء متصلة ببعضها. فهذه الإيضاحات تكون عادة مليئة بالمعلومات التي يحتاج إليها المستثمر.فإن كنت ممن لا يقرأ هذه الإيضاحات فقد تفقد الشيء الكثير ، حيث إن بعض المعلومات المهمة التي يشار إليها في الإيضاحات لا يوجد لها أي ذكر في القوائم المالية.
خاتمة
رغم أن هذه الحلقات الثلاث قد تعرضت بالنقاش لكل قائمة من القوائم المالية على حدة، إلا أنه ينبغي الأخذ بعين الاعتبار بأن هذه القوائم تكون مترابطة فيما بينها. فالتغييرات في الأصول والخصوم التي نشاهدها في الميزانية العمومية تظهر أيضا في بندي الإيرادات والمصروفات المدرجين في قائمة الدخل، واللذين تنتج عنهما الأرباح أو الخسائر التي تحققها الشركة. والتدفقات النقدية توفر مزيدا من المعلومات عن الأصول النقدية المدرجة في الميزانية العمومية وتكون على علاقة وثيقة بها رغم أنها ليست مماثلة لبند صافي الدخل الذي يظهر في قائمة الدخل، وهكذا.
والواقع أنه ليس هناك قائمة من القوائم المالية تستطيع إعطاء كامل المعلومات التي نبحث عنها. ولكن هذه القوائم مجتمعة يمكن أن توفر قدرا كبيرا من المعلومات المهمة للمستثمرين، لأن المعلومات هي أفضل وسيلة لتمكين المستثمرين من اتخاذ القرارات الحكيمة.